التكنولوجيا الرقمية

الأمن السيبراني في المغرب: بين مطرقة التهديدات وسندان السيادة الرقمية

في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتتعمق فيه الرقمنة في مختلف مناحي الحياة، لم تعد الهجمات الإلكترونية مجرد خطر محتمل، بل واقعًا يوميًا يفرض نفسه بقوة. المغرب، كغيره من الدول المنخرطة في هذا التحول الرقمي، وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع هذا التحدي المتصاعد، حيث سُجلت خلال العام الماضي وحده أكثر من 644 هجومًا سيبرانيًا استهدفت مؤسسات حيوية، ما يضع علامات استفهام كبرى حول الجاهزية الأمنية للبلاد في العصر الرقمي.

في قلب هذا المشهد، يبرز صوت الحسين الساف، أحد الوجوه الرائدة في ميدان التحول الرقمي بالمغرب، ومؤسس مشارك لمبادرة الإعلام الذكي لإفريقيا(SMIAfrica.org)، المبادرة التي حصلت على اعتراف دولي من الأمم المتحدة وجائزة القمة العالمية لمجتمع المعلومات لسنة 2024. يرى الساف أن المغرب لم يكن بعيدًا عن ركب الرقمنة، بل انخرط مبكرًا في مسار طويل من الخطط الاستراتيجية، بدءًا من “المغرب الرقمي 2010” وصولًا إلى الرؤية الطموحة “المغرب الرقمي 2030”. غير أن هذا التقدم الرقمي، كما يقول، جعل البنية الوطنية عرضة لمحاولات اختراق متكررة.

لكن ما الذي يجعل الأمن السيبراني بهذا التعقيد؟

حمزة الوراقي، خبير الأمن السيبراني وعضو فدرالية APEBI، يسلط الضوء على ثلاث جبهات رئيسية في الحرب الرقمية:

التقنية: حيث تستغل الثغرات في الأنظمة.

البشرية: حيث يُعد المستخدم الحلقة الأضعف بسبب نقص التوعية.

الحكاماتية: التي تعاني من غياب التنظيمات الصارمة والبُنى المؤسسية القادرة على الردع والتصدي.

ويُحذر الوراقي من أن العامل البشري هو الأكثر خطورة، لأنه الباب الذي يُفتح غالبًا أمام القراصنة. وهنا تبرز الحاجة الملحّة لتعميم ثقافة الحماية الرقمية ليس فقط في الإدارات، بل في المدارس والمنازل والهواتف.

السيادة الرقمية.. الحصن الذي لم يُبْنَ بعد

من أخطر ما يواجه المغرب اليوم، حسب الحسين الساف، هو غياب ما يُسمى بـ »السيادة الرقمية » الكاملة. فبدون أنظمة وطنية قوية ومتكاملة، يبقى الفضاء الرقمي المغربي مفتوحًا على احتمالات عديدة، كما أظهرت اختراقات طالت مؤسسات حساسة مثل هيئة الموثقين وصندوق الضمان الاجتماعي.

من الوعي إلى الفعل

رغم كل ما تحقق على مستوى التشريعات، يشدد الوراقي على أن القوانين وحدها لا تكفي. التحدي الحقيقي يكمن في تنزيلها وتفعيلها بشكل فعلي على الأرض، إلى جانب تطوير حلول تكنولوجية مغربية الصنع تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البيئة المحلية.

أمن رقمي مغربي: مسؤولية الجميع

في ختام الصورة، يتفق كل من الساف والوراقي على أن الأمن السيبراني لم يعد مهمة تقنية أو حكومية فقط، بل هو مشروع وطني جامع. من تأهيل الكفاءات، إلى تشجيع الشركات الناشئة في مجال البرمجيات الآمنة، مرورًا بإطلاق حملات توعية للمواطنين، كلها خطوات ضرورية لبناء مغرب رقمي محصن.

فبين شبح التهديدات الإلكترونية وحلم السيادة الرقمية، يقف المغرب عند مفترق طرق حاسم. النجاح في هذه المعركة لا يتطلب فقط التكنولوجيا، بل رؤية جماعية، إرادة سياسية، ووعي مجتمعي يشمل الجميع… بلا استثناء.

Afficher plus

Articles similaires

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Bouton retour en haut de la page